كما كان متوقعاً، لم يصل المخرج الإيراني محمد رسولوف إلى برلين ولن يحضر العرض العالمي الأول لفيلمه الجديد (السادس) «ليس هناك شر» (There is No Evil) بسبب قرار النظام عدم السماح له بالسفر.
طبعاً مشاكل المخرج رسولوف بدأت قبل ثلاث سنوات عندما حقق «رجل نزيه» (Man of Integrity) ونال عبره جائزة قسم «نظرة ما» في مهرجان «كان». فيلمه الخامس ذاك عرض قصة رجل (رضا أخلاغيراد) يملك بيتاً خارج طهران (بعدما تم طرده من المدرسة الذي كان يعلّـم فيها بسبب احتجاجه على سوء الطعام المقدّم للتلاميذ) ويعيش مع زوجته (صدابة بيزائي). يربّـى في برك واسعة أسماكه ليعيش على تجارتها بينما تعمل زوجته مدرسة في البلدة القريبة. يبدأ رضا بالعثور على سمك ميّـت بين أسماكه. وفي أحد المشاهد يستيقظ صباحاً على صياح زوجته المريع. يركض خارجاً ليجدها تقرع على طنجرة نحاسية لطرد عشرات الغربان التي كانت أخذت تقتات على الأسماك. يشاركها القرع ثم يلتفت إلى بركته ليجد أن كل أسماكه (بالمئات) تطفو ميتة. السبب هو قيام جاره بقطع الماء عن مجرى النهر الذي يملأ منه رضا بركته. ينطلق ليجد أن جاره بنى سداً يمنع تدفق الماء. يحاول ردم السد الترابي وحال يبدأ يُـلقى القبض عليه. لاحقاً ما يدّعي جاره عبّـاس، وقد تزوّد بشهادة طبية مزوّرة، أن رضا كسر يده ما يزيد متاعبه، خصوصاً وقد بات رضا غير قادر على تلبية احتياجاته المادية ودفع فواتيره المتأخرة وخسارته مصدر قوته.
واضح تركيز المخرج على نماذج اجتماعية شريفة متمثلة ببطله وزوجته وأخرى فاسدة وهذا موجود في كل مكان. لكن ما جلب على رسولوف غضب المسؤولين الإيرانيين وقرروا معاقبته بتوقيفه عن صنع الأفلام ومنعه من السفر هو إدراجه المسؤولين الحكوميين في نقده الواضح للحياة الحاضرة وعدم إنصاف بطل الفيلم بل محاربته. إنه فيلم جريء بطله الإنسان الرافض لعبث مستديم في الأخلاق والمبادئ. رجل يلحظ ما يدور معه وما يدور حوله ويواجه زوجته بأنها «قضية كفاح»، كما يقول. هذا قبل أن ينتصر الشر الكامن في شخص عباس والمعنيين الآخرين ويتم حرق المنزل الذي رفض رضا بيعه.
– نجاح من قبل العرض
الفيلم الجديد «ليس هناك شر» يخز خاصرة النظام بتقديم أربع نماذج لأربع مواطنين منفصلين يعيشون تبعات رغباتهم في حياة أفضل ويدفعون الثمن تبعاً لمواقفهم في هذا الاتجاه. في رسالته لمهرجان برلين ذكر المخرج أن «في مضمون البنية الضاغطة على المجتمع، تبدو الاختيارات محدودة. هي إما المقاومة أو البقاء حياً». أبطاله، كما تشي المعلومات يرفضون اختيار الاستسلام لكنهم لا يملكون القدرة على المقاومة في الوقت ذاته».
الفيلم مبرمج للعرض صباح اليوم (الجمعة) لكن من قبل هذا الموعد احتدت المنافسة عليه من قِبل شركات التوزيع وشهد بيعاً ناجحاً في الدول الأوروبية فاشترته إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا والبرتغال واليونان وبولندا وتركيا. وربما مع يوم غد تكون العقود أبرمت مع شركات توزيع أميركية وألمانية واسكندنافية.
في غضون ذلك، يجد المخرج الروسي إيليا خريجانوفسكي نفسه في مياه ساخنة لم يتوقعها. لقد تسرب إلى الإعلام أن فيلمه DAU.Natasha شهد حالات ترويع ضد بطلتيه وتحرش وقسوة. هو ينفي ذلك ويقول إن طبيعة الفيلم تجعل الإعلام يتصوّر حالات كهذه. لكنه يعترف بأن التصوير المغلق لعدة أشهر «ربما» شهد أحداثاً (قد) تبدو للبعض على أنها قمع».
في كل الأحوال، فيلم خريجانوفسكي (حققه بمشاركة مصممة شعر سابقاً اسمها جكرتينا أورتل)، الذي تم تقديمه ضمن المسابقة فيلم بشع حول موضوع بشع. إنه حول مؤسسة أبحاث علمية سوفياتية لا نرى شيئاً يُذكر عما تقوم به لكننا نرى الكثير من وضع المشرفة على مطعم وحانة المؤسسة التي يدخل إليها ويخرج العدد المتكرر من العلماء والحرس. بين الضيوف عالم فرنسي اسمه لوك (لوك بيجي، رجل في الخمسين لم يمثل من قبل) وفي ليلة ظلماء يشرب وناتاشا ويذهبان إلى السرير. قبل ذلك وبعده دقائق طويلة من الجدال بينها وبين مساعدتها تعكس فيها كل منهما مرارة ما تشعر به حيال الحياة وحيال كل للأخرى. الجدال يتطوّر إلى تضارب بالأيدي أولاً، ثم بعد ذلك إلى حفلة شرب أخرى بعدما تكون ناتاشا ودعت الفرنسي في اليوم التالي.
ما هي إلا أيام قليلة (لا يعير الفيلم أهمية للزمن ويدور في ثلاثة مواقع مغلقة طوال 146 دقيقة) حتى تُقاد ناتاشا إلى أحد مراكز المخابرات حيث يجلسها الضابط ذو الجثة المهيمنة أمامه ويسألها بضعة أسئلة. حين لا يرضى عن إجاباتها يفتح لها باب زنزانة ويهددها بتمضية ثلاثة أيام بلا نوم إذا لم تتجاوب مع ما يطلبه منها. وما يطلبه هو توقيع ورقة تقول إنها ستعمل، بخاطرها وتطوّعاً، لحساب المخابرات لنقل أي معلومة قد تضر الدولة السوفياتية. حتى من بعد توقيعها على هذا الطلب يعاود جرّها إلى غرفة التعذيب ويفرض عليها خلع كل ملابسها إمعاناً في إهانتها واحتقارها. يعود بها إلى مكتبه ويفرض عليها كتابة وتوقيع ورقة أخرى تقول فيها إن العالم الفرنسي كان مثيراً للشبهات وقد يكون جاسوساً.
هذا ما يعرضه المخرج في أكثر من ساعتين ونصف بقليل عن الوضع الروسي زمن ستالين ولا أحد يلومه على ذلك. فالفترة كانت بشعة بالفعل لكن المشكلة هي أن الفيلم يعالج بشاعة الوضع ببشاعة.
نعم هناك إدارة جيدة للممثلتين ناتاشا برجنايا (في الدور الأول) وأولغا خبرنيا وطريقة تصوير تخدم هيمنة المكان المغلق (قام بها يورغن يورغوس) لكن خريجانوفسكي يؤم الموضوع بيد تحمل مطرقة وبمعالجة لا تقل قسوة عن القسوة التي يتحدث عنها. مشاهد طويلة لا دور يذكر فيها للتوليف (المونتاج) وتصوير كامل لمشهد المجامعة بين نتاشا والعالم الفرنسي كما لو أن المخرج كان يتمنى تصوير أفلام بورنو في شبابه ووجد الفرصة متاحة الآن.
لا جماليات على الإطلاق وصفحات تتلوها صفحات من الثرثرة الحوارية التي لا تتوقف. جل ما نخشاه أن يخرج الفيلم بجائزة.
– توقعات أولى
لم يبق على «برلين» سوى يومين وحفنة من الأفلام ولجنة تحكيم عليها أن تختار من الأفلام الثمانية عشر التي عرضت في المسابقة ما تتوجه من أعمال وسينمائيين. لكن المرء يتساءل كيف سيتسنى لها ذلك إذا ما كان عدد الأفلام التي تستحق التنويه (ناهيك عن الجوائز الأولى). المستوى العام لمعظم ما عرض لا يرتفع عن المتوسط، مع إعجاب واضح بثلاثة أفلام نسائية هي «بقرة أولى» لكَلي رايشارت و«الطرق غير المطروقة» (The Roads Not Taken) لسالي بوتر و«أبداً نادراً أحياناً دائماً» (Never Rarely Sometimes Always) لإليزا هيتمان.
إذا ما منحت لجنة التحكيم جائزتها لفيلم من إخراج رجالي فلربما ذهبت إلى «أوندين» أو «برلين ألكسندربلاتزي» (وكلاهما فيلمان ألمانيان).